فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرض وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ}.
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات} الآية. قال: سجود ظل هذا كله {وكثير من الناس} قال: المؤمنون {وكثير حق عليه العذاب} قال: هذا الكافر سجود ظله وهو كاره.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في الآية قال: سجود كل شيء فيئه، وسجود الجبال فيئها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: الثوب يسجد.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر، عن أبي العالية رضي الله عنه قال: ما في السماء من شمس ولا قمر ولا نجم، إلا يقع ساجدًّا حتى يغيب، ثم لا ينصرف حتى يؤذن له فيأخذ ذات اليمين حتى يرجع إلى معلمه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه قال: إذا فاء الفيء لم يبق شيء من دابة ولا طائر إلا خر لله ساجدًّا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن دينار رضي الله عنه قال: سمعت رجلًا يطوف بالبيت ويبكي، فإذا هو طاوس! فقال: عجبت من بكائي؟ قلت: نعم. قال: ورب هذه البنية، إن هذا القمر ليبكي من خشية الله ولا ذنب له.
وأخرج أحمد في الزهد عن ابن أبي مليكة رضي الله عنه قال: مر رجل على عبد الله بن عمرو وهو ساجد في الحجر وهو يبكي فقال: أتعجب أن أبكي من خشية الله وهذا القمر يبكي من خشية الله...؟
وأخرج ابن أبي حاتم عن طاوس رضي الله عنه في الآية قال: لم يستثن من هؤلاء أحدًا، حتى إذا جاء ابن آدم استثناه فقال: {وكثير من الناس} قال: والذي أحق بالشكر هو أكثرهم.
وأخرج ابن أبي حاتم واللالكائي في السنة والخلعي في فوائده، عن علي أنه قيل له: إن هاهنا رجلًا يتكلم في المشيئة. فقال له علي: يا عبد الله، خلقك الله لما يشاء أو لما شئت؟ قال: بل لما يشاء. قال: فيمرضك إذا شاء أو إذا شئت؟ قال: بل إذا شاء. قال: فيشفيك إذا شاء أو إذا شئت؟ قال: بل إذا شاء. قال: فيدخلك الجنة حيث شاء أو حيث شئت؟ قال: بل حيث شاء. قال: والله لو قلت غير ذلك لضربت الذي فيه عيناك بالسيف.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل، عن أبي ذر رضي الله عنه أنه كان يقسم قسمًا إن هذه الآية: {هذان خصمان اختصموا في ربهم } إلى قوله: {ان الله يفعل ما يريد} نزلت في الثلاثة والثلاثة الذين تبارزوا يوم بدر وهم: حمزة بن عبد المطلب، وعبيدة بن الحارث، وعليّ بن أبي طالب، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة.
قال على رضي الله عنه: أنا أول من يجثو في الخصومة على ركبتيه بين يدي الله يوم القيامة.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري والنسائي وابن جرير والبيهقي من طريق قيس بن عبادة، عن علي رضي الله عنه قال: أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة. قال قيس: فيهم نزلت {هذان خصمان اختصموا في ربهم} قال: هم الذين بارزوا يوم بدر: على وحمزة وعبيدة وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد ابن عتبة.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: لما بارز على وحمزة وعبيدة وعتبة وشيبة والوليد، قالوا لهم: تكلموا نعرفكم. قال: أنا علي، وهذا حمزة، وهذا عبيدة. فقالوا: أكفاء كرام! فقال علي: أدعوكم إلى الله وإلى رسوله. فقال عتبة: هلم للمبارزة. فبارز على شيبة فلم يلبث أن قتله، وبارز حمزة عتبة فقتله، وبارز عبيدة الوليد فصعب عليه فأتى على فقتله. فأنزل الله {هذان خصمان }.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: «لما التقوا يوم بدر قال لهم عتبة بن ربيعة: لا تقتلوا هذا الرجل، فإنه إن يكن صادقًا فأنتم أسعد الناس بصدقه، وإن يكن كاذبًا فأنتم أحق من حقن دمه. فقا أبو جهل بن هشام: لقد امتلأت رعبًا. فقال عتبة: ستعلم أينا الجبان المفسد لقومه. قال: فبرز عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة، فنادوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقالوا: ابعث إلينا أكفاءنا نقاتلهم. فوثب غلمة من الأنصار من بني الخزرج، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلسوا... قوموا يا بني هاشم. فقام حمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث فبرزوا لهم، فقال عتبة: تكلموا نعرفكم أن تكونوا أكفاءنا قاتلناكم. قال حمزة: أنا حمزة بن عبد المطلب... أنا أسد الله وأسد رسوله. فقال عتبة: كفء كريم! فقال علي: أنا علي بن أبي طالب... فقال: كفء كريم! فقال عبيدة. أنا عبيدة بن الحارث... فقال عتبة: كفء كريم! فأخذ حمزة شيبة بن ربيعة، وأخذ علي بن أبي طالب عتبة بن ربيعة، وأخذ عبيدة الوليد. فأما حمزة، فأجاز على شيبة، وأما على فاختلفا ضربتين، فأقام فأجاز على عتبة، وأما عبيدة فأصيبت رجله. قال: فرجع هؤلاء وقتل هؤلاء، فنادى أبو جهل وأصحابه: لنا العزى ولا عزى لكم، فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم: قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار. فأنزل الله {هذان خصمان اختصموا في ربهم }».
وأخرج عبد بن حميد عن لاحق بن حميد قال: نزلت هذه الآية يوم بدر {هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار} في عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة.
ونزلت {إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات} إلى قوله: {وهدوا إلى صراط الحميد} في علي بن أبي طالب وحمزة وعبيدة بن الحارث.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} قال: مثل المؤمن والكافر اختصامهما في البعث.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد وعطاء بن أبي رباح والحسن قال: هم الكافرون والمؤمنون اختصموا في ربهم.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} قال: هم أهل الكتاب، قالوا للمؤمنين نحن أولى بالله وأقدم منكم كتابًا، ونبينا قبل نبيكم. وقال المؤمنون: نحن أحق بالله، آمنا بمحمد وآمنا بنبيكم وبما أنزل الله من كتاب، وأنتم تعرفون كتابنا ونبينا ثم تركتموه وكفرتم به حسدًا، فكان ذلك خصومتهم في ربهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة قال: اختصم المسلمون وأهل الكتاب، فقال أهل الكتاب: نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم، ونحن أولى بالله منكم وقال المسلمون: إن كتابنا يقضي على الكتب كلها ونبينا خاتم الأنبياء، فنحن أولى بالله منكم، فأفلج الله أهل الإسلام على من ناوأهم فأنزل الله {هذان خصمان اختصموا في ربهم } إلى قوله: {عذاب الحريق}.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} قال: هما الجنة والنار اختصمتا فقالت النار: خلقني الله لعقوبته. وقالت الجنة: خلقني الله لرحمته.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد {فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار} قال: الكافر قطعت له ثياب من نار، والمؤمن يدخله الله جنات تجري من تحتها الأنهار.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير في قوله: {قطعت لهم ثياب من نار} من نحاس، وليس من الآنية شيء إذا حمي اشتد بأحر منه. وفي قوله: {يصب من فوق رؤوسهم الحميم} قال: النحاس يذاب على رؤوسهم. وفي قوله: {يصهر به ما في بطونهم} قال: تسيل أمعاؤهم والجلود، قال: تتناثر جلودهم حتى يقوم كل عضو بحياله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم التيمي، أنه قرأ قوله: {قطعت لهم ثياب من نار} قال: سبحان من قطع من النار ثيابًا.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن وهب بن منبه قال: كسي أهل النار والعري كان خيرًا لهم، وأعطوا الحياة والموت كان خيرًا لهم.
وأخرج عبد بن حميد والترمذي وصححه، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وأبو نعيم في الحلية وابن مردويه، عن أبي هريرة أنه تلا هذه الآية فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الجمجمة، حتى يخلص إلى جوفه فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدمه وهو الصهر، ثم يعاد كما كان».
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: يأتيه الملك يحمل الإناء بكليتين من حرارته، فإذا أدناه من وجهه يكرهه فيرفع مقمعة معه فيضرب بها رأسه فيفدغ دماغه، ثم يفرغ الإناء من دماغه فيصل إلى جوفه من دماغه. فذلك قوله: {يصهر به ما في بطونهم والجلود}.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية، عن سعيد ابن جبير قال: إذا جاء أهل النار في النار استغاثوا بشجرة الزقوم فأكلوا منها فاختنست جلود وجوههم، فلو أن مارًا يمر بهم يعرفهم لعرف جلود وجوههم بها، ثم يصب عليهم العطش فيستغيثون فيغاثون بماء كالمهل، وهو الذي قد سقطت عنه الجلود و{يصهر به ما في بطونهم} يمشون وأمعاؤهم تساقط وجلودهم، ثم يضربون. بمقامع من حديد فيسقط كل عضو على حياله يدعون بالويل والثبور.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {يصهر به ما في بطونهم والجلود} قال: يمشون وأمعاؤهم تساقط وجلودهم. وفي قوله: {ولهم مقامع من حديد} قال: يضربون بها فيقع كل عضو على حياله.
وأخرج ابن الأنباري والطستي في مسائله، عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله: {يصهر} قال: يذاب {ما في بطونهم} إذا شربوا الحميم. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت قول الشاعر:
سخنت صهارته فظل عثانه ** في شيطل كعب به تتردد

وظل مرتثيًّا للشمس تصهره ** حتى إذا الشمس قامت جانبًا عدلًا

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {يصهر به ما في بطونهم والجلود} قال: يسقون ماء إذا دخل بطونهم أذابها والجلود مع البطون.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {يصهر به ما في بطونهم} قال: يذاب إذابة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك مثله.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة {يصهر به} قال: يذاب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني في قوله: {يصهر به} قال: يذاب كما يذاب الشحم.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم، عن الضحاك في قوله: {ولهم مقامع} قال: مطارق.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال: كان عمر يقول: أكثروا ذكر النار، فإن حرها شديد وإن قعرها بعيد وإن مقامعها حديد.
وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في البعث، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن مقمعًا من حديد وضع في الأرض فاجتمع الثقلان، ما أقلوه في الأرض، ولو ضرب الجبل بمقمع من حديد لتفتت ثم عاد كما كان».
وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، عن سلمان قال: النار سوداء مظلمة لا يضيء لهبها ولا جمرها. ثم قرأ {كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي جعفر القاري، أنه قرأ هذه الآية: {كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم} فبكى وقال: أخبرني زيد بن أسلم في هذه الآية ان أهل النار في النار لا يتنفسون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الفضيل بن عياض في الآية قال: والله ما طمعوا في الخروج؛ لأن الأرجل مقيدة والأيدي موثقة، ولَكِن يرفعهم لهبها وتردهم مقامعها.
وأخرج البخاري ومسلم عن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة».
وأخرج النسائي والحاكم عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، ومن شرب الخمر في الدنيا لم يشربه في الآخرة، ومن شرب في آنية الذهب والفضة لم يشرب في الآخرة».
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لباس أهل الجنة وشراب أهل الجنة وآنية أهل الجنة».
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه، عن ابن الزبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة» قال ابن الزبير من قبل نفسه: ومن لم يلبسه في الآخرة لم يدخل الجنة؛ لأن الله تعالى قال: {ولباسهم فيها حرير}.
وأخرج النسائي والحاكم وابن حبان عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه».
{وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)}.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {وهدوا إلى الطيب} قال: ألهموا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: {وهدوا إلى الطيب من القول} قال: في الخصومة، إذ قالوا: الله مولانا ولا مولى لكم.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن إسماعيل بن أبي خالد {وهدوا إلى الطيب من القول} قال: القران {وهدوا إلى صراط الحميد} قال: الإسلام.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك {وهدوا إلى الطيب من القول} قال: الإخلاص {وهدوا إلى صراط الحميد} قال: الإسلام.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {وهدوا إلى الطيب من القول} قال: لا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوّة إلا بالله، الذي قال: {إليه يصعد الكلم الطيب}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {يُحَلَّوْنَ}: العامَّةُ على الياءِ وفتحِ اللامِ مشددةً، مِنْ حَلاَّه يُحَلِّيه إذا ألبسَه الحُلِيَّ. وقرئ بسكون الحاءِ وفتحِ اللامِ مخففةً، وهو بمعنى الأول، كأنَّهم عَدَّوْه تارةً بالتضعيف وتارةً بالهمزةِ. قال أبو البقاء: مِنْ قولك: أحلى أي ألبسَ الحُلِيَّ، وهو بمعنى المشدَّد.
وقرأ أبنُ عباسٍ بفتحِ الياءِ وسكونِ الحاءِ وفتحِ اللامِ مخففةً. وفيها ثلاثةُ أوجهٍ. أحدُها: أنَّه من حَلِيَتْ المرأةُ تَحْلَى فهي حالٍ. وكذلك حَلِيَ الرجلُ فهو حالٍ، إذا لَبِسا الحُلِيَّ أو صارا دونَ حُلِيّ. الثاني: أنَّه من حَلِيَ بعيني كذا يَحْلَى إذا اسْتَحْسَنْته. ومِنْ مزيدةٌ في قوله: {مِنْ أَسَاوِرَ} قال: فيكونُ المعنى: يَسْتَحْسِنون فيها الأساور الملبوسة. ولما نقل الشيخ هذا الوجهَ عن أبي الفضل الرازي قال: وهذا ليس بجيد لأنه جَعَلَ حَلِيَ فعلًا متعديًّا، ولذلك حَكَم بزيادةِ مِنْ في الواجبِ. وليس مذهبَ البصريين. وينبغي على هذا التقديرِ أَنْ لا يجوزَ؛ لأنه لا يُحْفَظُ بهذا المعنى إلاَّ لازِمًا، فإنْ كان بهذا المعنى كانَتْ مِنْ للسببِ أي: بلباسِ أساورِ الذهبِ يَحْلَوْن بعينِ مَنْ رآهم، أي: يحلى بعضُهم بعينِ بعضٍ.
قلت: وهذا الذي نقله عن أبي الفضلِ قاله أبو البقاء، وجَوَّز في مفعولِ الفعلِ وجهًا آخرَ فقال: ويجوزُ أن يكونَ مِنْ حَلِيَ بعيني كذا إذا حَسُن، وتكونُ مِنْ زائدةً أو يكونُ المفعولُ محذوفًا، و{مِنْ أساورَ} نعتٌ له. فقد حكمَ عليه بالتعدِّي ليس إلاَّ، وجَوَّز في المفعول الوجهَيْن المذكورَيْن.
الثالث: أنَّه مِنْ حَلِيَ بكذا إذا ظَفِرَ به، فيكونُ التقديرُ: يَحْلَوْن بأساورَ. فـ: مِنْ بمعنى الباء. ومِنْ مجيءِ حَلِيَ بمعنى ظَفِرَ قولهم: لم يَحْلَ فلانٌ بطائلٍ أي: لم يظفرْ به. واعلم أنَّ حَلِي بمعنى لبس الحلية، أو بمعنى ظَفِر من مادةِ الياءِ لأنهما مِن الحِلْيَةِ. وأمَا حَلِيَ بعيني كذا فإنه من مادة الواو لأنه من الحلاوة، وإنما قلبت الواو ياءً لانكسار ما قبلها.
قوله: {مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ} في مِنْ الأولى ثلاثةُ أوجه، أحدُها: أنها زائدةٌ، كما تقدَّم تقريره عن الرازي وأبي البقاء. وإن لم يكنْ مِنْ أصولِ البصريين. والثاني: أنَّها للتعبيضِ أي: بعض أساور. والثالث: أنها لبيانِ الجنسِ، قاله ابن عطية، وبه بدأ. وفيه نظرٌ إذ لم يتقدَّمْ شيءٌ مبهمٌ. وفي {مِنْ ذهب} لابتداءِ الغايةِ، هي نعتٌ لأساورَ كما تقدَّم.
وقرأ ابن عباس {مِنْ أَسَوِرَ} دونَ ألفٍ ولا هاء، وهو محذوفٌ مِنْ {أساوِر} كما في جَنَدِلٍ والأصل جَنادِل، قال الشيخ: وكان قياسه صَرْفَه؛ لأنه نَقَصَ بناؤُه فصار كجَنَدِلٍ، لَكِنه قَدَّر المحذوفَ موجودًا فمعنه الصرف.
قلت: فقد جعل أنَّ التنوينَ في جَنَدِلٍ المقصور مِنْ جنادل تنوينُ صَرْفٍ. وقد نصَّ بعض النحاة على أنه تنوينُ عوضٍ كهو في جَوارٍ وغَواشٍ وبابِهما.
قوله: {وَلُؤْلُؤًا} قرأ نافعٌ وعاصمٌ بالنصبِ. والباقون بالخفضِ. فأمَا النصبُ ففيه أربعةُ أوجهٍ، أحدها: أنَّه منصوبٌ بإضمار فعلٍ تقديرُه: ويُؤْتَوْن لُؤْلؤًا. ولم يذكر الزمخشريُّ غيرَه، وكذا أبو الفتح حَمَله على إضمار فعلٍ. الثاني: أنَّه منصوبٌ نَسَقًا على موضع {مِنْ أساور}، وهذا كتخريجِهم {وأرجُلَكُمْ} بالنصب عطفًا على محلِّ {برؤوسكم} [المائدة: 6]، ولأن {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ} في قوة: يَلْبَسون أساور فَحُمِل هذا عليه. والثالث: أنه عطفٌ على {أساور}؛ لأنَّ مِنْ مزيدةٌ فيها كما تقدَّم تقريرُه. الرابع: أنه معطوفٌ على ذلك المفعولِ المحذوفِ. التقديرُ: يُحَلَّوْن فيها الملبوسَ مِنْ أساور ولؤلؤًا. فـ: {لؤلؤًا} عطفٌ على الملبوس.
وأمَا الجرُّ فعلى وجهَيْن، أحدُهما: عطفُه على {أساور}. والثاني: عَطْفُه على {مِنْ ذهبٍ} لأنَّ السِّوارَ يُتَّخَذُ من اللؤلؤ أيضًا، يُنْظَمُ بعضُه إلى بعضٍ. وقد منع أبو البقاء العطفَ على {ذهب} قال: لأنَّ السِّوار لا يكونَ مِنْ لؤلؤ في العادة ويَصِحُّ أن يكونَ حُلِيًّا.
واختلف الناسُ في رَسْمِ هذه اللفظةِ في الإِمام: فنقل الأصمعيُّ أنها في الإِمام {لؤلؤ} بغير ألفٍ بعد الواو، ونقل الجحدريُّ أنها ثابتةٌ في الإِمامِ بعد الواو. وهذا الخلافُ بعينه قراءة وتوجيهًا جارٍ في حَرْف فاطر أيضًا.
وقرأ أبو بكر في رواية المُعلي بن منصور عنه {لؤلوا} بهمزةٍ أولًا وواوٍ آخِرًا. وفي روايةِ يحيى عنه عكسُ ذلك. وقرأ الفياض {ولُوْلِيا} بواوٍ أولًا وياءٍ أخيرًا، والأصل: لُؤْلُؤًا أبدل الهمزتينِ واوَيْن، فبقي في آخرِ الاسم واوٌ بعد ضمةٍ. فَفُعِل فيها ما فُعِل بـ: أَدْلٍ جمعَ دَلْو: بأنْ قُلِبَتْ الواوُ ياءً والضمةُ كسرةً.
وقرأ ابنُ عباس: {وَلِيْلِيا} يياءَيْنِ، فَعَل ما فَعَل الفياض، ثم أتبعَ الواوَ الأولى للثانيةِ في القلبِ. وقرأ طلحة {وَلُوْلٍ} بالجر عطفًا على المجرورِ قبلَه. وقد تقدم، والأصل {ولُوْلُوٍ} بواوين، ثم أُعِلَّ إعلالَ أَدْلٍ.
واللُّؤْلُؤُ: قيل: كِبارُ الجوهر وقيل صغِارُه.
{وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)}.
قوله: {مِنَ القول}: يجوزُ أَنْ يكونَ حالًا من {الطيِّب}، وأن يكونَ حالًا مِن الضميرِ المستكِنِّ فيه. ومِنْ للتبعيضِ أو للبيانِ. اهـ.